أحمد حسين قاسم
لعبت
الصدفة دورا محوريا في الكثير من الاختراعات والاكتشافات العلمية التي
غيرت وجه العالم ونقلت الانسان الى مرحلة متقدمة من التطور والرقي.
كما
ان للصدفة في الوقت ذاته الدور الأساس لا سيما في تطور بما يعرف بعلم
البوليمرات (البلاستيك) ابتداء من اكتشاف العالم الاميركي تشالز كوديير
لعملية جعل المطاط الطبيعي مرنا ما احدث ثورة في تصنيع اطارات السيارات
مرورا بالعالم السويدي سكونين الذي اكتشف وعن طريق الصدفة مادة
النتروسيللوز التي فجرت ثورة في علم التسجيل الصوتي وهكذا فان اكتشاف
النايلون والبوليمر الموصل للكهرباء والبوليمر المشع قد فتح الباب على
مصراعيه لمرحلة مذهلة من الاكتشافات في هذا المجال، ولعل اكتشاف البلاستك
الموصل للكهرباء او البلاستك الكهربائي يجسد ذلك فحتى عقود قليلة مضت عرف
البلاستك بانه مادة عازلة للتوصيلة الكهربائية إلا ان هذا الاكتشاف الذي
جمع النقيضين العزل والتوصيل في آن واحد فتح مجالا واسعا لتطبيقات
واستخدامات واسعة مثل انتاج البطاريات البلاستيكية الخفيفة الوزن بدلا عن
المعدنية الثقيلة وتصنيع شريحة الاتصال للهواتف النقالة واجهزة اصدار اشعة
الليزر وغيرها من الاكتشافات والاستخدامات وتتويجا لذلك الاكتشاف التاريخي
منح ثلاثة كيميائيين جائزة نوبل لاكتشافهم هذا.
ان اكتشاف هذا النوع
من البلاستك الموصل للكهرباء مكن من اكتشاف انواع اخرى لا تقل غرابة مثل
البلاستك المشع للضوء عند مرور التيار الكهربائي فضلا عن انتاج المغناطيس
البلاستيكي الذي بامكانه توليد مجال مغناطيسي في حال تم تسليط شعاع ليزر
عند طول موجة معين على نوع خاص من البوليمرات. ولعل الاكتشاف الاكثر اهمية
في هذا المجال هو استخدام البلاستك لعلاج الامراض فمعروف ان من اكثر
المشاكل البيئية التي تواجه المجتمعات الحديثة هي تراكم وتجمع النفايات
البلاستيكية التي لا تتأثر بعوامل الجو وغير قابلة للتحلل البيئي على خلاف
غيرها من المعدنية والورقية إلا ان طائفة من العلماء يحاولون انتاج مركبات
كيميائية لمواد بلاستيكية حيوية قابلة للتحلل البايولوجي. ان انتاج مثل
هذه المركبات يعد اولوية بيئية ملحة ولهذا ما زالت الابحاث مستمرة لانتاج
هذا النوع من البلاستك من مواد أولية طبيعية قابلة للتجدد مثل المنتجات
والمصادر الزراعية بدلا من استخدام المواد الأولية البتروكيمياوية. في
الوقت الحاضر يصنع هذا البلاستك من وحدات نباتية محورة من السيللوز والنشأ
وحمض اللاكتيك التي يمكن توفيرها بكميات مناسبة من معالجة المخلفات
الزراعية وبقايا الصناعات الغذائية، وتكمن اهمية استخدامات هذا النوع في
المجال الطبي اذ يستخدم في تصنيع الخيوط الجراحية القابلة للتحلل وكذلك
يستخدم كوسيلة لتنظيم افراز ومن ثمة امتصاص الجسم لبعض الأدوية اذ يغلف
الدواء بطبقة رقيقة من هذا البوليمر تتحلل ببطء ما يسمح بافراز الدواء
داخل الجسم وفق آلية زمنية محددة وبهذا يعمل البوليمر كمادة لتوصيل وحمل
الأدوية الى هدفها المنشود كما ان بعض هذه البوليمرات يمكن استخدامها
بكفاءة لمعالجة الأورام السرطانية وذلك عن طريق اقفال الشعيرات الدموية
الدقيقة التي تغذي الأورام الصلبة، ولعل الفكرة الخلاقة التي تقف خلف هذا
العلاج تقوم حول عملية تخص البوليمر الذي يكون عند امتزاجه بالدم حبيبات
صلبة كبيرة تقتل الشعيرات الدموية ما يؤدي الى تجريح الورم الخبيث وبعد
ذلك بمدة معينة يتحلل البوليمر ويخرج من الجسم لكن بعد ان يقيم حصارا
فعالا على الورم. ولا يمكن القول ان هذا هو الاستخدام الوحيد للبوليمر في
المجال الطبي فضلا عن ذلك توجد بحوث علمية وطبية عديدة منصبة بشكل اساس
على استخدام مواد حيوية مصنعة لتحل محل بعض الاعضاء والانسجة البشرية
التالفة.
فقطع الغيار هذه مصنوعة من البلاستك او المطاط الصناعي ومن
امثلتها صمامات القلب والأوعية الدموية المصنعة من البوليمرات. اما
البوليمرات المصنعة من المطاط السليكوني فهي شائعة الاستخدام لانتاج الجلد
الصناعي وبصورة مشابهة بعض البوليمرات الاخرى لتصنيع اطراف العظام
والاصابع والغضاريف ومفاصل الركبة والمرفق والفخذ، وهذا ما يؤكده ان الخط
الفاصل بين الخيال العلمي والحقيقة المجردة آخذاً بالتلاشي اذ ان الابحاث
العلمية الحديثة افرزت اعضاء بشرية اصطناعية كاملة مثل القلب والأذن
واطراف البدن كالأرجل والأيدي. وفي السنوات القليلة الماضية تم تطوير
تقنية حيوية تقوم على فكرة تكوين وتنمية اغشية حيوية بل حتى اعضاء بشرية
داخل الجسم بدلا من صناعتها في المختبر، ولتحقيق هذه المعجزة الطبية يتم
اولا زرع شبكة اسفنجية بلاستيكية يتم عليها انشاء واستزراع الاغشية
الحيوية المطلوبة بعد ذلك تحقن خلايا معينة وأدوية مناسبة تتسبب في نمو
الاغشية مع الزمن داخل الجسم وبهذه الآلية يتم انشاء اغشية جديدة قد تكون
اوعية دموية او غضــاريف او صمامات قلبية بل حتى الخلايا العصبية عن
التعويض الا ان الطموح العلمي لهذه التقنية ما زال في اوله فهناك عدة
ابحاث واعدة لانتاج اعضاء داخلية كاملة كالكبد مثلا بهذه التقنية،
فبالاضافة لهذه القطع البلاستيكية ذات الاستعمالات الطبية البديلة التي
تزرع او تثبت داخل الجسم توجد كذلك تطبيقات متنوعة للمواد البلاستيكية ذات
الاستعمالات الطبية مع فارق انها تستخدم وتتواجد خارج الجسـم البشري ففي
عمليات القلب المفتوح او عند اجراء عمليات غسيل الكلى يتم استخدام اغشية
بلاستيكية حيوية تساعد في استخلاص الاوكسجين او فصل المواد الكيمياوية
الضارة، اما الاكتشاف المثير الآخر لاستخدام البوليمرات والذي جاء ايضا عن
طريق الصدفة، فقد اكتشف احد طلبة الدراسات العليا الذي كان يعمل في احد
مختبرات جامعة كامبرج، عندما اغلق انوار المختبر المذكور في احدى الليالي
لاحظ ان جزءا من اجهزته العلمية التي يعمل عليها يشع بضوء غريب وبعد البحث
والتقصي تبين ان مصدر هذا الضوء الغريب عبارة عن فلم بلاستيكي خاص استخدم
اصلا كمادة عازلة لتغطية احد الاجهزة الكهربائية وهكذا وعن طريق الصدفة تم
اكتشاف بوليمرات قادرة على اصدار اشعة الضــوء عندما يطلق خلالها جهد
كهربائي الشيء الذي سيمكن من توليف صور ضوئية متحركة من هذه الاضواء
المنبعثة، وبالرغم من ان هذا الاكتشاف العلمي لا يتجاوز عددا من السنوات
الا ان التطبيقات التجاربية آخذة في التسارع والانتشــار على هيئة شاشات
العرض البلاستيكية المستخدمة في الهواتف النقالة واجهزة التلفاز المصغرة
والحاسبات الآلية المحمولة، ولهذا فانه من المتوقع ان هذه البوليمرات
المشعة للضوء بانتاجها لهذه الشاشات البلاستيكية الواعدة ستكون سببا رئيسا
في احالة وازالة الشاشات الفضية التقليدية الى رفوف المتاحف والى ذمة
التاريخ بل انه يتوقع لهذه الشاشات البلاستيكية ان تكون منافسا حقيقيا
لتقنية شاشات عرض الكرستال السائل الواسعة الانتش