تتميز الحركة التشكيلية السورية بذلك التواصل الذي يمتد من بدايات القرن العشرين وحتى الآن من دون انقطاع أو قطيعة، وإنما مسيرة متناغمة ذات إيقاع عاكس لإيقاع الواقع ومتغيراته. ولأن المسيرة طويلة نسبيا، فـأي محاولة للتأريخ لها لا بد من أن يشوبها بعض اختصار واختزال وربما انتقاء، فالهدف في النهاية ليس التأريخ بعينه، ولكنه العثورعلى أهم الملامح المشتركة والوقوف عند المنتجات الاهم، من أجل إعطاء صورة أقرب إلى الحقيقة عن تلك المسيرة.
وهنا يحاول الناقد عبدالله أبوراشد، رسم لوحة واقعية ذات أبعاد نقدية للحركة التشكيلية السورية المعاصرة، والتي قسمها إلى ثلاث مراحل يرى أنها تمثيل صادق لثلاثة منحنيات خطرة في طريق هذه الحركة.
مما لا شك فيه، ان الحركة الفنية التشكيلية السوريا. هي حركة فنية معاصرة شأنها في ذلك كـمثـيـلاتها في العالم العربي. وهي من أكثـر المنتجات الثقافية تفاعلا، وتواجدا في مساحة العروض الفنية في سوريا وخارجها. والنشاط الكمي الأكثر تميزا وزخما وجوديا فى كافة معابر التواصل البصري مع المبتكروجمهوره ونقاده وصحفييه، ومروجي العمل الفني ومقتنيه، وان حركة المعارض الفنية الجماعية والفردية المليئة بالتجارب الفنية التشكيلية السوريا، ذات النفحة المتفردة لخـصوصيـة هذا الفنان وتلك الفنانة، تستحـضر كـافة الأجـيال والمدارس والاتجـاهات الفنية التقليدية، والتسجـيليـة والسياحـية والفكرية الحداثية، ما بعدالحداثة "الشيئية" او سـواها. يمكن للمـتلقي والبـاحث ونقـاد الفن، ووسائط الإعلام المسموعة، المرئية، والمكتوبة، أن تلحض الخط البياني التصاعدي لهذه الحركة الفنية التشكيلية النشطة كميا التي لها من العمر نحو سبعين عاما من العطاء المستمر القائم على التنوع والاختلاف المنهجي والمحـتوى الموضوعي والاسلوبية الشكلية والمعالجـة التـقنيـة، لهذه التجرية الفنية اوتلك، إذ يمكن رصدها وتوثيقها منهجيا في ثلاث مراحل زمنية رئيسية.
المرحلة الأولى: منتجـات فناني الرعيل الأول الذين تربوا وتدربوا على انفسهم في منتجـاتهم، . وتجاربهم الفنية الابتكارية التي وجدت في فنون التقليد والمحاكاة، واستنساخ الأعمال الفنية في سياقـها النمطي، والمؤسسـة في بعضها على النزعات الفطرية (فن الناييف) شكلا مالوفـا لآليات العمل الفني.
المرحلة الثانية: المنتجات التي توافقت مع الروح الأكاديمية المدرسية ذات النفحات الأيديولوجـية المحـمولة وفق توجـهات المؤسسـة الرسمية والحكومية النقابية كتعبير مطابق لثقافة السلطة السائدة.
المرحلة الثالثة: المنتجات المتساوقة مع روح العصر"ما بعد الحداثي"، المتوجهة إلى خصخصة الفنون التشكيلية لحساب الصورة البصرية، كجزء لا يتجزأ من حركية المجتمع الاستهلاكي.
في كل الاحـوال، لا بد من القـول ان الفن التشكيلي السوري يتسم بصفات وخـصائص عديدة، إنه مفتوح على التجارب العالمية متدثر بأثواب الحرية التعبيرية المنفلتة من عقال اللمسة الأيديولوجية، وإن كانت هي الصفة التعبيرية الأكثر حضورا في عموم التجارب والاجيال الفنية المتعاقبة. السبب كامن في جوهره بآليات الصراع العربي- الصهيوني، وما حمله هذا الصراع على مدار خمسين عاما من المآسي والخلفيات، والأفكار الأيديولوجية المعمقة لتفاعلاته على كل المستويات الإنسانية الابتكارية في كافة منتجات العمل الفني والتشكيلي على كل وجه الخصوص. تجارب فنية تشكيليـة متنوعة، متجاوزة احـيانا للنزعات المدرسية الأكاديمية، او جامعة لمجموع مدارس وتيارات فنية، وتقنيات حتى في التجربة الفنية الواحدة في بعض الاحيان. تلبس المنتجات الفنية، والفنانون التشكيليون من داخل البيت الفني المدرسي الأكاديمي ومن خارجه، أثواب العصر الحديث، والحقبة العولمية، بينما نجد في الوقت ذاته تيارات وتجارب تقف راسخة البنيان والمقولات في الانخـاه المقابل. منحـازة للذات الفنيـة في إيقاعاتها المحلية القومية. منتمية لجماليات المكان السوري وثقإفته المعرفية والبصرية، وأبعاده التاريخية والحضارية، وهويته العريية القومية في زخمها الجمالي الإسلامي، تخوض معركة إثبات الذات المحلية والخصوصية التعبيرية، من خلال التغني بحرفية الأرابسك والاشتغال على مكونات وعناصر "التشكيل الحروفي" حينا. أو استحضار الفن السوري التـراثي القديم وتقديمه في إطار وجبات لونية وخطية وفكرية غنية في الاستحضار المجازي "الفنتازيا" كعبث أسطوري لذاكرة بصرية ومفـردات، ونص فني تشكيلي متنوع الخـامات والتقنيات والمحـتوى الموضوعي المرصوف على موائد الثقافة البصرية السوريا حينا آخر. لتشكل مثل تلك التجارب إسقاطا لمفاهيم "أيديولوجيا" من نوع آخـر. كمحاولة قومية عربية مشروعة للدفـاع عن الهوية والبـحث عن الذات الفنيـة والخصوصية المحلية في معابرالتأليف التقنى والشكلي في انسـاق عالمية الفن حداثة وتوحدا إنسا نيا.